رغم سقوط نظام الأسد.. تجارة الكبتاغون ماتزال مزدهرة في سوريا – DW – 2025/3/27

أعلنت السلطات العراقية قبل أيام ضبط أكثر من طن من حبوب الكبتاغون المخدرة مصدرها سوريا عبر تركيا في أكبر كمية يتم ضبطها في عملية تهريب خلال السنوات الأخيرة.

ونقلت فرانس برس عن حسين التميمي، مدير إعلام مديرية شؤون المخدرات والمؤثرات العقلية، قوله إن الشاحنة كانت محملة بسبعة ملايين حبة كبتاغون وتم اعتقال عراقيين اثنين وسوري لتورطهم في القضية.

وتعد هذه أول عملية ضبط لشحنات الكبتاغون يعلنها العراق منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، المتهم نظامه بتصنيع هذا المنشط الشبيه بالأمفيتامين على نطاق واسع في سوريا.

فخلال سنوات الحرب الأهلية، أصبحت تجارة الكبتاغون من أكبر مصادر دخل نظام الأسد، حيث مثل الكبتاغون الطريقة الوحيدة للنظام البائد في كسب المال في ضوء العقوبات المفروضة عليه بسبب اتهامات بارتكاب جرائم حرب.

ويقول الخبراء إن الكبتاغون كان يدر مليارات الدولارات سنويا إبان نظام الأسد بما يتخطى ميزانية الحكومة السورية العادية آنذاك.

وأثار ضبط العراق كميات من الكبتاغون تساؤلات المراقبين حيال سبب رصد شحنات كبيرة من الكبتاغون بعد أشهر من الإطاحة بنظام الأسد.

فعقب سقوط نظام الأسد، تعهدت الحكومة المؤقتة برئاسة أحمد الشرع ، زعيم هيئة تحرير الشام والذي أصبح لاحقا الرئيس السوري الانتقالي، بشن حملة صارمة على دائرة تصنيع وتهريب الكبتاغون. في خطاب متلفز، قال الشرع إن بلاده “أصبحت أكبر مصنع للكبتاغون في العالم، واليوم تتطهر سوريا”.

يشار إلى أنه في يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوري أسعد الشيباني، التوصل إلى اتفاق لتشكيل لجنة أمنية مشتركة لتأمين حدودهما ومكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات. وتتعهد سوريا بموجب الاتفاق بوضع حد لتجارة الكبتاغون.

وقعت سوريا والأردن في يناير/كانون الثاني الماضي اتفاقا يرمي إلى تأمين الحدود ومواجهة تهريب المخدراتصورة من: Mohammad Abu Ghosh/XinHua/picture alliance

إذاً لماذا لم يحدث هذا؟

يعود السبب في ذلك بشكل جزئي إلى الأزمات الأمنية التي ما زالت سوريا تئن منها بعد سقوط الأسد؛ إذ أن الحكومة الحالية لا تمتلك مصادر التمويل الكافي أو الموظفين أو الوقت أو معدات المراقبة اللازمة لوضع نهاية لدائرة إنتاج الكبتاغون وتهريبه بشكل كامل.

بيد أن ثمة عوامل أخرى، بحسب مراقبين في هذا الشأن.

وفي هذا الصدد، لاحظ باحثو معهد “نيولاينز” الأمريكي المعني بمراقبة تهريب الكبتاغون من خلال قاعدة بيانات منذ 2016، أن نظام الأسد قد مارس ضغوطا على شبكات تهريب المخدر منذ عام 2024.

وعزا خبراء ذلك إلى الضغوط التي تعرض لها نظام الأسد من دول عربية لا سيما السعودية و الأردن، حيث حثت هذه الدول النظام البائد على محاربة تجارة المخدرات مقابل تطبيع العلاقات معه.

وفي ذلك، قالت كارولين روز، مديرة معهد نيولاينز للأبحاث، خلال ندوة افتراضية استضافها مركز كارنيغي للشرق الأوسط الأسبوع الماضي، إنه في ضوء حملات الأسد فقد “شهدنا خلال العام الماضي اتساع نطاق تهريب الكبتاغون خارج سوريا، إلى العراق، و تركيا، وألمانيا، وهولندا، ومصر، واللافت وصوله حتى للكويت”.

وأضافت أن “النظام لم يكن على علم بذلك في ذلك الوقت..(لكن) كان ثمة تهيئة لهذه التجارة غير المشروعة لتزدهر بعد سقوطه.”

شبكة تهريب المخدرات “المعقدة”

وأشارت روز إلى أن شبكات ومختبرات التهريب تطورت لتصبح أصغر حجما وأكثر قدرة على التنقل وباتت أكثر مرونة حتى قبل سقوط الأسد.

وأضافت أن كل ذلك “يسهم بشكل كبير في أن أصبحت تجارة الكبتاغون عابرة للحدود وتتسم بالانسيابية مما يصعب مواجهتها”.

فخارج سوريا، يرجح خبراء أن المجموعات والكيانات التي وفرت الدعم لنظام الأسد والتي كان يشتبه في السابق بتورطها في تجارة الكبتاغون، بما في ذلك حزب الله والميليشيات الموالية لإيران في العراق، ما زالت متورطة في تجارة المخدرات.

ويقول باحثون إنه يتم إنتاج كميات قليلة من الكبتاغون في سهل البقاع في الجنوب اللبناني الذي يعد معقل حزب الله.

في العراق، قال الناشط في مجال مكافحة المخدرات، محمد الياسري، في مقابلة مع قناة “الحرة”، إن “جزءا كبيرا من المواد الأولية المستخدمة في صناعة المخدرات يتم تصديره إلى العراق من إيران”.

وأضاف أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران “تقدم الدعم اللوجستي الكامل لعمليات تهريب المخدرات وحتى المواد الأولية اللازمة لصناعة” هذه المخدرات خاصة الكبتاغون.

الكبتاغون مازال ينتج داخل سوريا

وفي تقرير نشر الشهر الجاري، أشار نائب مدير الأبحاث في معهد كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، مهند الحاج علي، إلى أن بعض الكميات التي تم ضبطها مؤخرا هي مخزونات كانت متبقية من نظام الأسد.

لكنه قال إن الكبتاغون مازال ينتج داخل سوريا أيضا، قائلا: “طرق تهريب الكبتاغون في شمال سوريا إلى تركيا كانت تتضمن شكلا من أشكال التعاون بين النظام السوري وجماعات مسلحة منضوية تحت “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، لذا فرغم الانتكاسات في 2024، إلا أن إنتاج الكبتاغون مازال مستمرا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، بما في ذلك مناطق شمال سوريا الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري”.

وأضاف الباحث أنه في جنوب سوريا، لا يزال إنتاج الكبتاغون مستمرا أيضا، على سبيل المثال، في منطقة السويداء حيث ينخرط في هذه التجارة شخصيات محلية.

خلال حلقة نقاشية افتراضية قبل أيام، قال الحاج إن دائرة إنتاج الكبتاغون أضحت “لامركزية”، مضيفا “كانت بعض الجماعات التابعة للمعارضة السورية تنتج الكبتاغون بنشاط. وقد سلط الجانب الأردني الضوء على هذا الأمر بقوله إن بعض المصانع لم تغلق في محافظتي السويداء ودرعا”.

ونوه خبراء آخرون إلى أن أحمد الشرع قد يكون غير قادر على فعل الكثير لمحاربة تجارة الكبتاغون في الوقت الحالي، مشيرين إلى أنه لا يستطيع تحمل تبعات استعداء الشخصيات المحلية التي ربما تكون متورطة في تجارة الكبتاغون.

أشار الخبراء إلى أن الشرع يتعين عليه تحقيق استقرار سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية والانقسام الطائفي.

وفي ذلك، قالت كارولين روز، مديرة معهد نيولاينز للأبحاث، إنه “لهذا السبب لم نشهد سلسلة من عمليات ضبط معامل الكبتاغون (في مناطق جنوب سوريا) كما رأينا في أماكن أخرى. تعرف الحكومة المؤقتة قدرات هذه العشائر. تمتلك هذه الشبكات المختلفة قدرا من النفوذ الذي يتجلى بشكل واضح في الوقت الراهن في الاشتباكات [الحدودية] بين حزب الله والجيش اللبناني والجيش السوري”.

أعلن العراق في منتصف مارس/آذار الجاري العراق يعلن ضبط أكثر من طن من حبوب الكبتاغون مصدرها سوريا (أرشيف)صورة من: FAYEZ NURELDINE/AFP via Getty Images

لا عودة إلى “دولة المخدرات”، ولكن؟

لا تعتقد روز أن سوريا ستعود إلى ما كان يعرف بمثابة “دولة المخدرات” إبان نظام الأسد. بيد أن الباحثة قالت في مقابلة مع DW إنه “من الممكن أن تتحدى عصابات التهريب المتغلغلة في المناطق الحدودية مساعي الحكومة الحالية في إحكام السيطرة على نقاط التفتيش الحدودية وأيضا مساعيها لفرض الأمن”.

قال الباحث مهند الحاج الأسبوع الماضي إن زعماء عصابات المخدرات يلعبون بالفعل دورا في الاضطرابات السياسية في لبنان وسوريا خاصة في ظل تولي حكومتين جديدتين زمام الأمور في كلا البلدين.

وشدد على أن تحسين الوضع الاقتصادي قد يلعب دورا في إبعاد السكان عن براثن تجارة المخدرات التي قد يرغمون عليها بسبب العوز.

وقال الحاج في تقريره إن الجنود في الجيش اللبناني يعانون من انخفاض في رواتبهم بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة في لبنان مما قد يسهل إغوائهم إلى تجارة المخدرات.

وأضاف “إذا لم تنجح هذه المرحلة الانتقالية في سوريا و لبنان، فأعتقد أنه سيكون من الصعب القضاء على تجارة الكبتاغون. إذا لم يكن هناك التزام بإنجاح هذه المرحلة، فلن يكون هذا النقص الحالي (في توفير الكبتاغون) سوى خلل في تاريخ هذا المخدر وسوف يتعافى لاحقا مما سيترتب عليه الكثير من الآثار بالغة الخطورة على المدى البعيد”.

أعده للعربية: محمد فرحان

 

اترك رد