
محتوى المقال
صدر الصورة، Getty Images
Article information
هل تود أن يصبح الآخرون أكثر إصغاءً وتقبلاً لآرائك؟ إليك مفاتيح بسيطة لتحقيق ذلك من خلال حواراتك!
“يعتمد نمو المعرفة تماماً على الاختلاف” – بهذه الكلمات الملهمة، لخص الفيلسوف كارل بوبر جوهر تطور الفكر. ورغم أنه كان يحذر من التعصب في المجال العلمي، إلا أن حكمته تمتد لتشمل نظرتنا للعالم أجمع. فإذا كنت تسعى لإنهاء أي جدال بتغيير قناعات الطرف الآخر، فإن المفتاح يكمن في اتباع النهج الأمثل
في رحلتي لاستكشاف ديناميكيات التواصل الاجتماعي في كتابي الأخير، اكتشفتُ أن الأبحاث النفسية الحديثة تحمل بين طياتها أدوات قوية لتحويل نقاشاتنا حول القضايا الشائكة إلى حوارات بنّاءة.
والأكثر إثارة للدهشة، أن بعض الاستراتيجيات قلبت توقعاتي رأساً على عقب.
فبينما يرفع البعض شعار “الحقائق لا تهتم بمشاعرك” على منصات التواصل، تكشف الدراسات عن حقيقة مغايرة: مشاركة تجاربنا الشخصية هي المفتاح الحقيقي لفتح آذان الآخرين وقلوبهم لحججنا.
كن فضولياً
كشفت دراسة حديثة حول الصداقة، صممتها بالتعاون مع عالم النفس إيان ماكراي، تضمنت استبياناً عرضناه على قرّاء بي بي سي في صيف العام الماضي، عن أحد المحركات الرئيسية للخلافات الحادة.
تخيل سيناريو نقاش مع شخص يحمل رأياً مخالفاً في قضية سياسية أو اجتماعية – هذا ما طلبناه من المشاركين في أحد أجزاء الاستبيان.
ثم سألناهم عن دوافعهم: هل كانوا يسعون لإقناع الآخر، أم التعلم، أم مجرد الجدال؟ والأهم، ما هو تصورهم لدوافع الطرف الآخر؟
النتيجة كانت مفاجئة!
لقد بالغ المشاركون، الذين بلغ عددهم 1912 مشاركاً، بشكل كبير في تقدير مدى إصرار الآخرين على إقناعهم ورغبتهم في الدخول في جدال، بينما قللوا بشكل ملحوظ من تقدير رغبة أولئك الآخرين في التعلم وفهم وجهات النظر المختلفة.
صدر الصورة، Alamy
التعليق على الصورة، في دراسة حديثة، بالغ المشاركون في تقدير مدى رغبة الآخرين في الجدال
تذكر جيداً هذه النتيجة في المرة القادمة التي تجد نفسك فيها في خضم خلاف! فقد يكون الطرف الآخر مستعداً لتبادل الأفكار بصدق بقدر أكبر مما تتوقع؛ والاحترام بالطبع أمر مفروغ منه.
والأهم من ذلك، لا تفترض أن شريكك في الحوار يدرك مدى اهتمامك بآرائه. بادر بالتعبير عن فضولك الحقيقي ورغبتك في الفهم، فهذا سيساعده على التخلي عن موقفه الدفاعي، والانفتاح على حوار حقيقي.
غالباً ما يكون الأمر أبسط مما نتخيل، وقد يكون مفتاح الحل مجرد طرح السؤال المناسب….لا أكثر!
في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قررت فرانسيس تشين وزملاؤها في جامعة ستانفورد الأمريكية إجراء تجربة ذكية لكشف خبايا تغيير الآراء. دعوا طلاباً للمشاركة في نقاش عبر الإنترنت حول اقتراح الجامعة بتطبيق نظام امتحانات جديد.
وكما هو متوقع، أبدى العديد من الطلاب معارضة شديدة للفكرة.
لكن المفاجأة لم تكن هنا، بل كانت في هوية المحاورين! فبينما ظن الطلاب أنهم يتناقشون مع زملائهم، كان شركاؤهم في الواقع هم الباحثون أنفسهم، يتبعون سيناريوهات حوارية دقيقة ومختلفة بين مجموعتين من الطلاب.
في نصف المحادثات، عمد الباحثون إلى طلب توضيحات من الطلاب حول آرائهم، بعبارات بسيطة مثل: “ما تقوله مثير للاهتمام، هل يمكنك أن تشرح لي أكثر عن سبب اعتقادك بذلك؟”. أما النصف الآخر من المحادثات فلم يتضمن أي طلب مماثل.
ورغم بساطة هذا التغيير في النص، إلا أنه أحدث تحولاً جذرياً في طبيعة النقاش، حيث أظهر الطلاب في المجموعة التي طُلب منها التوضيح انفتاحاً أكبر، واستعداداً لمواصلة الحوار وتقبّل حجج الطرف الآخر.
تجربة واحدة لا تكفي لإقناعك أليس كذلك؟ ولكنها ليست تجربة يتيمة!
لتعزيز الثقة في نتائج تشين وزملاؤها، جاءت دراسات أخرى لتؤكد الاتجاه نفسه. فقد توصل غاي إيتزاكوف وزملاؤه من جامعة حيفا إلى استنتاجات مماثلة تماماً عبر سلسلة من الأبحاث شملت مئات المشاركين.
تؤكد هذه الدراسات بقوة أن طرح أسئلة عميقة تستفسر عن معتقدات الأفراد ودوافعهم يؤدي بشكل مباشر إلى تقليل حدة دفاعهم، مما يفتح الباب أمام تقبّل وجهات نظر مختلفة.
والأكثر دلالة، هو أن المشاركين، بعد هذه النوعية من النقاشات، كانوا أكثر ميلاً للاعتراف بحاجتهم لإعادة النظر في القضية، معبرين عن ذلك بعبارات مثل “أشعر أنه يجب عليَّ إعادة تقييم الحدث بعد الحوار”، مما يشير إلى تحفيز حقيقي للتفكير النقدي.
شارِك تجاربك الشخصية
لا تستهن بقوة مشاركة تجربتك الشخصية عند التعبير عن رأيك في قضية ما، فقد تكون هي السلاح الأقوى في ترسانتك الإقناعية.
هذه الحقيقة تبدو غائبة عن أذهان الكثيرين.
ففي استطلاع أجرته إميلي كوبين وزملاؤها في جامعة نورث كارولينا، عندما طُلب من 251 مشاركاً تحديد أفضل طرق عرض الآراء حول قضايا حساسة كزواج المثليين والإجهاض، فضّل أغلبهم، 56 في المئة، تقديم الحقائق والأدلة، بينما لم يرَ سوى 21 في المئة منهم قيمة في مشاركة تجاربهم الشخصية.
وقد لمسنا نمطاً مشابهاً في دراسة الصداقة التي أجريناها، حيث احتلت استراتيجيات “اللباقة” و”المنطق والعقل” الصدارة في تقييم المشاركين لأساليب الإقناع، بينما تراجعت “التجربة الشخصية” إلى المرتبة الخامسة، مما يشير إلى تقليل شائع لقيمتها.
صدر الصورة، Alamy
التعليق على الصورة، تُظهر الأبحاث أن الأشخاص الذين يشرحون تجاربهم الشخصية، في قضايا مثل ضبط حيازة الأسلحة، يُنظر إليهم على أنهم أكثر عقلانية وموثوقية
على النقيض من الاعتقاد الذي أظهرته تجربة كوبين السابقة، كشفت دراسة ثانية لها عن قوة التجربة الشخصية كأداة إقناع لا يستهان بها.
طلب فريقها من 177 مشاركاً قراءة آراء ثلاثة أشخاص حول قضايا متنوعة، (مثل الضرائب أو تعدين الفحم أو ضبط حيازة الأسلحة) ثم تقييم مدى احترامهم لأصحاب الآراء وعقلانية كل متحدث منهم.
كانت النتيجة لافتة!
بغض النظر عن موقف المشاركين المسبق، ارتفعت تقييمات الاحترام والعقلانية بشكل ملحوظ عندما علموا أن المتحدث لديه خبرة شخصية مباشرة بالموضوع الذي يناقشه. هذا يشير بوضوح إلى أن التجربة الذاتية تضفي مصداقية وتأثيراً في الرأي يفوق مجرد الحقائق المجردة.
صحيح أن قراءة نصوص قصيرة عبر الإنترنت قد تبدو مختلفة عن الحوارات الحقيقية، لكن إميلي كوبين لم تتوقف عند هذا الحد. فقد اختبرت قوة التجربة الشخصية في سياق واقعي أكثر، بإجراء حوارات وجهاً لوجه حول قضية حساسة هي ضبط حيازة الأسلحة، مع عينة أخرى من 153 شخصاً.
النتيجة لم تختلف؛ الشخص الذي شارك تجربته الشخصية في عرض رأيه حظي بتقدير واحترام أكبر، واعتُبر رأيه أكثر عقلانية.
مما لا شك فيه (وقد يكون بديهياً)، أنه يجب أن نكون حذرين من الاعتماد فقط على القصص الذاتية دون دعمها بالإحصائيات، فالإفراط في الجانب العاطفي قد يثير الريبة. لكن الحقيقة هي أن هذين النهجين ليسا متناقضين، بل يمكن أن يكملا بعضهما البعض، مما يجعل حججنا أقوى وأكثر تأثيراً.
انظر إلى دراسة حديثة لانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي لعام 2018. قاست الدراسة تقدم 230 من المندوبين القائمين على الاستطلاع، إذ تحدثوا حول مجموعة من القضايا السياسية مع 6869 ناخباً في سبعة مواقع أمريكية.
طُلب من بعضهم عرض حججهم باستخدام حجج إحصائية بحتة – تتعلق، على سبيل المثال، بالخوف الشائع من أن الهجرة تزيد من مستوى الجريمة – بينما طُلب من آخرين تبادل قصص شخصية، بالإضافة إلى تقديم أدلة واقعية.
أجرى كل ناخب استطلاعات رأي قبل وبعد لقائه بالمسؤولين عن جمع الأصوات. ووجد الباحثون أن مشاركة الخبرات باحترام متبادل كان أكثر قدرة على تغيير الآراء، مقارنةً بالمحادثات التي ركزت بشكل أكبر على الحقائق والإحصاءات غير الشخصية.
صدر الصورة، Alamy
التعليق على الصورة، تشير الدراسات إلى أنه حتى في المحادثات القصيرة يمكن تغيير المواقف، إذا تشارَك المتحدثون تجاربهم باحترام متبادل
ورغم أن التأثيرات العامة كانت بسيطة – حيث أدت، على سبيل المثال، إلى تغيير بنسبة خمس نقاط مئوية في الآراء حول الهجرة – إلا أن ذلك يجب أن يؤخذ في سياقه. إذ استمرت المحادثات في المتوسط 11 دقيقة فقط، ومع ذلك بدأ عدد كبير من الأشخاص في تعديل آرائهم الراسخة.
استمِع وتعلَّم
طوال محادثاتك، يجب أن تتأكد من الحفاظ على مستوى أساسي من اللباقة – ليس فقط مع شريكك في المناقشة، ولكن أيضاً عند التحدث عن أي شخص آخر قد يشمله النقاش، بمن في ذلك الشخصيات العامة.
وأظهر بحث أجراه جيريمي فريمر من جامعة وينيبيغ وليندا سكيتكا من جامعة إلينوي في شيكاغو، أن السلوك الفظ من المرجح أن يُنفّر الشخص الذي ترغب في إقناعه، أكثر من أن يجعله يغيّر رأيه، وقد يُثير استياء الأشخاص الذين بدأوا بالفعل في تبني وجهة نظرك.
يصفون هذا بمبدأ مونتاغو، المسمى على اسم الأرستقراطية الإنجليزية التي عاشت في القرن الثامن عشر، ماري وورتلي مونتاغو، التي قالت إن “اللباقة لا تكلف شيئاً، بل تشتري كل شيء”.
وبإظهار فضول حقيقي، ومشاركة تجاربك الشخصية، والحفاظ على موقف متحضر، قد تُفاجأ بقدرتك على التواصل واكتساب رؤية عالمية أكثر حكمة في هذه العملية.
* ديفيد روبسون كاتب ومؤلف علمي حائز على عدة جوائز. صدر أحدث كتاب له بعنوان:
The Laws of Connection: 13 Social Strategies That Will Transform Your Life
أو “قوانين التواصل: 13 استراتيجية اجتماعية ستغيّر حياتك”.