ترامب: هل يحاول الرئيس الأمريكي عزل روسيا عن الصين؟

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، دعم ترامب لبوتين يحدث تغييراً كبيراً في السياسة الأميركية تجاه روسيا

8 مارس/ آذار 2025

يسعى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى تعزيز العلاقات وتحقيق تقارب أكبر مع روسيا، الأمر الذي قد يغيّر مسار السياسة الخارجية الأمريكية على مدار عقود.

وقف ترامب إلى جانب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، فيما يتعلق باتفاق السلام لإنهاء الحرب الأوكرانية، وضغط على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لقبول شروط قاسية تفرضها روسيا التي غزت أراضي بلاده، كما أوعز للحلفاء الأوروبيين بعدم التعويل على استمرار الدعم الأمريكي للدفاع عنهم.

وتبعث كل هذه الخطوات رسائل دعم لبوتين، مما يطرح تساؤلات بشأن إذا كانت الولايات المتحدة تمضي قدماً نحو استراتيجية دبلوماسية جديدة، وهل توجد خطة استراتيجية أكبر تهدف إلى محاولة استمالة روسيا بعيداً عن الصين؟ أم أن سلوك ترامب يُعزى ببساطة إلى مجرد مشاعر شخصية وعلاقة وثيقة ببوتين؟

كيف انحازت إدارة ترامب إلى روسيا؟

بدت أولى بوادر التحوّل الأمريكي الكبير نحو روسيا في 12 فبراير/شباط الماضي، عندما أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً مع بوتين دام 90 دقيقة.

وفي أعقاب ذلك فرض ترامب ضغوطاً على الرئيس الأوكراني زيلينسكي للموافقة على اتفاق سلام، مطالباً إياه بالتنازل عن أراضٍ لصالح روسيا دون تقديم ضمانات أمنية من الجانب الأمريكي.

وقال ترامب عن اتصاله الهاتفي ببوتين: “اتفقنا على التعاون الوثيق جداً، بما في ذلك تبادل الزيارات بين بلدينا”.

صدر الصورة، Reuters

التعليق على الصورة، الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (يسار) خلال لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض

كما أعلن ترامب أن أوكرانيا لن تحصل على عضوية حلف الناتو بعد انتهاء الحرب، وهو وعد كان قد قدمه سلفه جو بايدن، واعترضت عليه روسيا بشدة.

بعدها وصف ترامب الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأنه “غير كفؤ” و”ديكتاتور”، وأبلغه خلال اجتماعهما في البيت الأبيض بأن أوكرانيا “لم يكن ينبغي لها أن تبدأ” الحرب، وهي تصريحات مشابهة لما سبق وأدلى بها بوتين.

وأحجم ترامب عن تقديم أي دعم أمريكي لقوات أوروبية، إذا تولّت مهام حفظ السلام في أوكرانيا بعد انتهاء الصراع، وفي المقابل، رفضت روسيا بشكل صارم فكرة وجود قوات غربية على الأراضي الأوكرانية.

كما دعمت الولايات المتحدة روسيا في عمليات تصويت داخل الأمم المتحدة بمناسبة الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب في أوكرانيا، وامتنعت عن إدانة روسيا لغزوها الأراضي الأوكرانية.

هل تعمل الولايات المتحدة على كسب ودّ روسيا لعزلها عن الصين؟

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يقول إنه لا يريد رؤية روسيا كشريك ثانوي للصين

تمثل هذه الخطوات الرامية إلى دعم روسيا والابتعاد عن الحلفاء الأوروبيين تغييراً جذرياً في سياسة الولايات المتحدة الخارجية على مدار 80 عاماً، وعلى الرغم من ذلك لا يزال من غير الواضح بشكل مؤكد إذا كان هذا المسعى يُشير إلى تبنّي استراتيجية أمريكية جديدة لسياستها الخارجية.

وكان وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، قد أوضح في حديثه لمنصة “بريتبارت- Breitbart” الإخبارية المحافظة بتاريخ 25 فبراير/شباط الماضي، أن ترامب وإدارته يطمحون إلى تقويض العلاقات الروسية الصينية.

وقال: “أرى أن بقاء روسيا في مركز الشريك الثانوي دائماً للصين، واضطرارها لتنفيذ أي شي تقوله لها الصين بسبب اعتمادها عليها، ليس بالمآل الجيد لروسيا، ولا لأمريكا أو لأوروبا أو حتى للعالم أجمع”.

وأشار إلى أن هذا الوضع سيكون خطيراً على الولايات المتحدة، لأن “الأمر يتعلق بقوتين نوويتين متحالفتين ضد الولايات المتحدة”.

وأضاف روبيو أن الولايات المتحدة تعتزم التصدي لشبكة التجارة العالمية التي تتبناها الصين، والتي تُعرف باسم “مبادرة الحزام والطريق”.

وردّت الصين بقوة على تصريحات روبيو، وصرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، قائلاً: “سعي الولايات المتحدة إلى زرع الفتنة بين الصين وروسيا محكوم عليه بالفشل، لدى الصين وروسيا استراتيجيات تنموية طويلة الأمد وسياسات خارجية راسخة”.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون (في الوسط) الصين في عام 1972، في خطوة دبلوماسية

ويمكن اعتبار الاستراتيجية التي طرحها روبيو، والتي تهدف إلى إبعاد روسيا عن الصين لتقويضها، بمثابة صورة معكوسة لنجاح دبلوماسي سابق في عصر الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، حينما نجح في فصل الصين عن الاتحاد السوفيتي.

ففي تجربة نيكسون، أقامت الولايات المتحدة علاقة وثيقة مع الصين ما أدى إلى عزل روسيا، أما في حالة ترامب، فإن تقاربه مع روسيا قد يؤدي إلى عزل الصين. ووصف المراقبون هذه الاستراتيجية بأنها “خطة نيكسون المعكوسة” أو “خطة كيسنغر المعكوسة”.

وكان نيكسون قد أبرم معاهدة مع الصين في عام 1972، بتوجيه من مستشاره للأمن القومي وقتها، هنري كيسنغر، منهياً بذلك عقوداً من التحالف بين الصين والاتحاد السوفيتي – الدولتان الشيوعيتان آنذاك – في عدائهما المشترك تجاه الولايات المتحدة.

وقال مركز الأبحاث الأمريكي “مجلس العلاقات الخارجية” بشأن خطة روبيو: “يبدو أن أبرر السياسيين المختصين في الملف الصيني في البيت الأبيض يعتقدون أنهم يستطيعون التعاون مع روسيا لعزل الصين عن العالم وتحجيم نفوذها العالمي المتنامي”.

وأوضح كلاوس ويل، الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد، أن الولايات المتحدة “لا ترغب في أن تصبح روسيا مستعمرة لتزويد الصين بالمواد الخام، فالأمر يعني أن روسيا تبيع مواردها للصين بثمن زهيد، ما يمنح الصين تفوقاً على الولايات المتحدة”.

بيد أن دانا ألين، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره المملكة المتحدة، يستبعد تماما التزام ترامب بهذه الاستراتيجية.

ويقول: “هذا النهج ليس بعيداً عن تفكير ترامب، وربما يرى أنه من الممكن تحقيقه، لكن هذه الرؤية تأتي من ماركو روبيو وآخرين من أقطاب السياسة الخارجية التقليدية للحزب الجمهوري، وهم ليسوا الفريق الذي يقود الدفة في البيت الأبيض”.

هل ستنجح “خطة كيسنغر المعكوسة”؟

قد تجد الولايات المتحدة صعوبة في محاولة فصل روسيا عن الصين.

فالدولتان قد أعلنتا عن صداقة “بلا حدود” قبل أيام من الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، ومنذ ذلك الوقت، شهدت العلاقات التجارية بينهما ازدهاراً كبيراً.

وتُعد الصين، أكبر مستورد للنفط الخام الروسي، بفارق كبير عن غيرها، إذ بلغ حجم وارداتها منه في عام 2024 نحو 62 مليار دولار، بعد أن كانت تستورد في عام 2021 ثُلثي تلك الكمية فقط. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، فرضت الدول الغربية عقوبات على نفط روسيا، ما أتاح للصين فرصة شراء المزيد منه.

كما تحتل الصين أهمية بالغة كمورّد للمكونات التقنية المتقدمة إلى روسيا، بما في ذلك رقائق الكمبيوتر، مثل أشباه الموصلات (والتي تُستخدم في صناعة الأسلحة).

وتشير تقارير نشرتها مراكز أبحاث أمريكية، مثل معهد المشروع الأمريكي ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أن معظم رقائق الكمبيوتر التي تستوردها روسيا تأتي من الصين.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة، الصين أكبر مستورد للنفط الخام الروسي

ويرى البروفيسور يانغ تشنغ، من أكاديمية شنغهاي للحوكمة العالمية ودراسات المناطق، أن احتمالية التوافق الكامل بين روسيا والولايات المتحدة تظل ضئيلة، نظراً لـ “التشابك المعقد بين إرث عدم الثقة التاريخي والاختلافات الأيديولوجية العميقة” بينهما.

وقال لبي بي سي: “ستظل روسيا متمسكة باستقلالها الاستراتيجي، ولن ترضى بأن تُختزل إلى مجرد أداة تخدم السياسة الخارجية الأمريكية”.

وقال هنريك فاشتميستر، من المعهد السويدي للشؤون الدولية: “أظن أن بوتين قد يتظاهر باستجابته للمبادرات الأمريكية لفترة ما، لكنه لن يرغب في التضحية بعلاقته مع الصين مقابل أي شيء تقدمه الولايات المتحدة”.

وأضاف: “تعد روسيا والصين حليفين طبيعيين من حيث الموارد، أما العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة فهي علاقة تنافسية، خاصة في قطاعي النفط والغاز”.

هل يدعم ترامب روسيا لدوافع شخصية؟

صدر الصورة، Getty Images

يشير ألين إلى أن ميل ترامب نحو روسيا وبوتين غير نابع من استراتيجية دبلوماسية، بقدر ما هو نابع من أسباب “شخصية بحتة”، تعود إلى فترة ولاية ترامب الأولى، إذ وُجهت اتهامات لروسيا بالتدخل في حملة ترامب الانتخابية السابقة، كما وُجهت اتهامات لترامب وفريقه بالتواطؤ معها.

وأثناء لقائه الأخير مع زيلينسكي في البيت الأبيض، قال ترامب عن بوتين: “أعرفه منذ فترة طويلة. كان لزاماً علينا أن نخوض معاً غمار تلك التجربة التي تعرف بالخدعة الروسية”.

ويقول ألين: “يرى ترامب نفسه وبوتين كأنهما على متن قارب واحد، ضحايا لحملة اضطهاد أشبه بمطاردة الساحرات”.

ويقول ويل: “ندرك جيدا وجود روابط متينة بين ترامب وروسيا، وهي التي ظهرت خلال تنظيم مسابقة لملكة جمال العالم هناك، أو خلال الدعم المالي الروسي الذي ساعد مشاريع ترامب العقارية على البقاء”.

ويختم بأن علاقات ترامب مع روسيا كانت “دائماً ما تتسم بالإيجابية”.

اترك رد