«صاحب الحنجرة الذهبية».. رحلة الشيخ محمد عمران في دولة الإنشاد وتأثره بـ«النقشبندي» – أخبار السعودية

«سبحان من عنت الوجوه لوجهه فهو الكريم يجيب من ناداه.. هو أول هو آخر هو ظاهر هو باطن ليس العيون تراه.. اطلب بطاعته رضاه فإنه بالجود يرضي طالبين رضاه.. صلى الإله على النبي وآله والمقتديين به ومن والاه»..

هذه الكلمات الجميلة من ابتهال يحفظه الجميع عن ظهر قلب، تصدح بها حنجرة العبقري الذي جمع بين تلاوة القرآن الكريم والإنشاد الديني، الشيخ محمد عمران، الذي ترك بصمة لا تُمحى في قلوب محبي الابتهالات في مصر خصوصًا في صعيدها.

من قلب صعيد مصر، وتحديدًا من مركز طهطا بمحافظة سوهاج، وُلد الشيخ محمد أحمد عمران في 1944، وعلى الرغم من فقده لبصره في سن مبكرة، لم تمنعه الإعاقة من أن يصبح أحد أعظم قراء القرآن والمبتهلين في تاريخ مصر.

ففي العاشرة من عمره حفظ القرآن الكريم، ولم يكن يعلم حينها أن الطريق أمامه سيكون مليئًا بالنجاحات التي تتجاوز حدود الصعيد إلى آفاق الوطن العربي كله.

يقول محمود محمد عمران، نجل الشيخ الراحل: «التحق أبي بأحد الكتاتيب فأتمّ حفظ القرآن الكريم وهو في سن عشر سنوات، وكان فى طفولته يحب اللعب كأي طفل؛ وكان يأتي إلى داره شيخه الشيخ عبدالرحيم المصري، ويقول له: أتريد أن تهرب لتلعب وأنت الذي سأدخل بك الجنة، ثم جوّد القرآن على يد الشيخ محمود جنوط في مدينة طما».

وأضاف: «تأثر أبى كثيرًا بالشيخ سيد النقشبندي؛ وعلى الرغم من أن الشيخ النقشبندي من مواليد الغربية، فإنه كان مستقرًا بطهطا في سوهاج، ونصحه النقشبندي بضرورة الانتقال للقاهرة، وبالفعل استجاب، وسافر إلى القاهرة وهو في الثانية عشرة من عمره».

وتابع: «أحب أبي الشيخ النقشبندي كثيرًا كمبتهل، ولكن كان الشيخ علي محمود هو الملهم والمدرسة الأولى له؛ وفي القراءة يعد أبي من مدرسة الشيخ محمد محمود رمضان ويعتبر نفسه امتدادًا له، وطور في التلاوة وأدخل عليها نغمات لم تكن موجودة».

انتقل الشيخ عمران إلى القاهرة في سن الحادية عشرة؛ إذ بدأ في تلقي دروس في الإنشاد والموسيقى في معهد المكفوفين، ليكتشف رويدًا رويدًا موهبته الاستثنائية التي ستمكنه من الوصول إلى أعلى درجات الشهرة في عالم التلاوة والابتهالات الدينية.

أخبار ذات صلة

 

وعلى الرغم من نشأته في بيئة محافظة، إلا أن الشيخ محمد عمران لم يتردد في الانفتاح على الفنون الإسلامية، ففي السبعينات، بدأ مشواره مع الإذاعة المصرية التي اعتمدته منشداً ومبتهلاً، وكان له الفضل في تسجيل العديد من الأناشيد الدينية والابتهالات التي اشتهرت في جميع أنحاء العالم العربي.

ولحن له كبار الموسيقيين مثل حلمي أمين وسيد مكاوي، ووقع معه الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب على بعض أعماله، لكن القدر لم يمهله ليرى ثمرة تلك الأعمال، إذ توفي الشيخ عمران في 6 أكتوبر 1994 قبل أن يكمل عمله المشترك مع عبدالوهاب.

كان الشيخ محمد عمران من أبرز القراء الذين شرفهم الله بقراءة القرآن في عزاء كبار الفنانين المصريين مثل عبدالحليم حافظ، ومحمد عبدالوهاب، وبليغ حمدي، وهو ما جعل صوته يمثل جزءًا من ذاكرة المصريين.

ومع كل هذه النجاحات، كان الشيخ عمران يرفض السفر للمشاركة في الحفلات خارج مصر، مفضلًا الإقامة في وطنه، كان رافضًا للمال ويرى أن الجمال الحقيقي في الفن يكمن في إرضاء الله قبل أي شيء آخر.

رحل الشيخ محمد عمران عن عالمنا في 1994، بعد معاناة مع مرض الكبد قبل عامين من الوفاة، وحضر عزاءه وقرأ فيه كبار قراء مصر وفي مقدمتهم الشيخ الطبلاوي، والشيخ نعينع، وتم دفنه بالمدافن الموجودة بجوار مسجد عمرو بن العاص.

غاب عمران، لكن لم تغب ذكرى صوته الذي ما زال حيًّا في قلوب محبيه، فهو واحد من القلائل الذين جمعوا بين فن التلاوة والإنشاد الديني بشكل يرفع الروح ويمس القلوب، وسيبقى اسمه خالدًا في تاريخ التلاوة والإنشاد الديني في مصر والعالم العربي.

اترك رد