
شركة الشرق الأوسط للرعاية الصحية (مجموعة مستشفيات السعودي الألماني) إحدى الشركات الرائدة في قطاع الرعاية الصحية والمدرجة في سوق الأسهم السعودي، تثير تساؤلاً حول ممارساتها في التعاقد مع أطراف ذات علاقة. فالتقارير تشير إلى أن تعاقدات الشركة تنحصر بشكل لافت في شركات تتبع لعائلة واحدة تسيطر على غالبية أعضاء مجلس الإدارة وعلى نسبة أغلبية في أسهم الشركة. وقد أنشأت العائلة ما لا يقل عن عشر شركات، لديها تعاقدات مع المجموعة، ومن بينها شركة “بيت البترجي الطبية” التي قدمت خدمات استشارية بقيمة تجاوزت 6 ملايين ريال بتعاقد يمتد لعشر سنوات (يتجدد سنوياً)، وينتهي في 2025.
والأكثر إثارة للتساؤل هو عدم وجود أثر إيجابي واضح لهذه الخدمات الاستشارية على أداء الشركة، خاصة عند مقارنتها بشركات أخرى في القطاع لم تعتمد على مثل هذه التعاقدات المكلفة. فمنذ عام 2015، وهو العام الذي بدأ فيه تقديم الخدمات الاستشارية؛ شهدت المجموعة تراجعاً ملحوظاً في أدائها المالي. فصافي الربح، الذي كان يبلغ 390 مليون ريال في عام 2015، انخفض بشكل متواصل حتى وصل إلى 17 مليون ريال فقط في عام 2023. وعلى الرغم من تحقيق المجموعة لصافي ربح أعلى في عام 2024 بلغ 282 مليون ريال، إلا أن هامش الربحية ظل ضعيفاً مقارنة بالفترات السابقة، حيث بلغ 3.06% فقط، وهو ما يشير إلى أن العائد على الاستثمار في هذه الخدمات الاستشارية كان ضئيلاً، إن لم يكن معدوماً.
هذا التراجع المستمر في الأداء المالي يضع علامة استفهام حول جدوى هذه التعاقدات، خاصة في ظل عدم وجود تحسن ملموس في كفاءة العمليات أو تحسن في هامش الربحية. بل على العكس، يبدو أن هذه الخدمات الاستشارية لم تسهم في تعزيز قدرة الشركة على المنافسة أو تحسين وضعها المالي، مما يعزز الشكوك حول مدى فاعليتها ومدى ارتباطها بمصالح خاصة بدلاً من تحقيق مصلحة الشركة والمساهمين.
في هذا السياق، نستحضر تصرف صندوق الاستثمارات العامة حين حظر التعاقد مع شركة “PwC” العالمية للاستشارات، لخلل في تقديم الخدمات الاستشارية. هذا القرار يلفت الانتباه إلى أهمية ضمان جودة الخدمات الاستشارية، وضرورة تجنب التعاقدات التي لا تحقق قيمة مضافة حقيقية. ويبدو أن تعاقد مجموعة السعودي الألماني مع شركة “بيت البترجي الطبية” تشبه إلى حد كبير الحالة التي دعت صندوق الاستثمارات العامة إلى اتخاذ مثل هذا القرا؛ فهل يفعلها السعودي الألماني ويوقف التعاقد؟ أم لا حاجة إلى اتباع خطى صندوق الاستثمارات العامة، نظراً لقرب انتهاء مدة العقد في 2025 مما يوحي بأن هذا التساؤل جاء في الوقت الضائع!
على أي حال، يتطلب الأمر مراجعة شاملة لسياسات التعاقدات مع الأطراف ذات العلاقة في الشركات المدرجة، وضمان أن تكون هذه التعاقدات مبنية على أسس واضحة، وتحت رقابة إدارة الشركة والمساهمين، وأن تحقق قيمة مضافة حقيقية. وإلا فإن من شأن هذه الممارسات إضعاف الثقة في السوق.