
محتوى المقال
في قلب المعركة التجارية الشرسة بين الصين والولايات المتحدة، تشتعل جبهة جديدة لا في بحر الصين الجنوبي ولا في تايوان، بل داخل شريحة إلكترونية لا يتجاوز حجمها عقلة الإصبع. شركة هواوي الصينية، التي حاولت واشنطن مرارًا وتكرارًا خنقها بالعقوبات، تعود اليوم بقوة لتكشف عن سلاح تكنولوجي جديد قد ينقلب بموازين القوى عالميًا.
وفقًا لوكالة رويترز، بدأت هواوي بالفعل بشحن شريحتها الخارقة الجديدة Ascend 910B لشركات التكنولوجيا في الصين، متحدية القيود الأميركية التي منعت عملاق الشرائح الأميركي إنفيديا من بيع أقوى معالجاتها إلى بكين، بحجة الأمن القومي ومنع الاستخدامات العسكرية. المفاجأة الكبرى؟ شريحة هواوي الجديدة ليست فقط قادرة على مجاراة الجيل السابق من شرائح إنفيديا، بل تتفوق عليه بمرتين من حيث القدرة الحوسبية وسعة الذاكرة. والأكثر إثارة، أن هواوي تختبر الآن نسخة أحدث Ascend 910D، التي تهدف إلى تجاوز أقوى شرائح إنفيديا H100، والتي تعتبر حتى اليوم عملاقًا في مجال الذكاء الاصطناعي.
لماذا تعد هذه الخطوة مهمة؟
ببساطة، لأن الذكاء الاصطناعي يعتمد بالكامل على قوة الشرائح الإلكترونية. ومن يمتلك الشريحة يمتلك المستقبل. الولايات المتحدة حاولت احتكار هذه المعادلة عبر خنق الشركات الصينية، لكن هواوي تقول اليوم: لن نقف صامتين. وفيما انخفض سهم إنفيديا بنسبة 2%، متسببة بخسارتها نحو 55 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد فقط بعد الأخبار التي نشرتها صحيفة وول ستريت جورنال، بات من الواضح أن المعركة انتقلت إلى مستوى جديد.
شريحة هواوي الجديدة ليست مدنية فحسب، بل تحمل إمكانيات للاستخدام في مشاريع الذكاء الاصطناعي العسكري، ما يزيد قلق واشنطن أكثر. لم تكتف الصين بتأمين بديل، بل بدأت تزاحم أمريكا على عرش الذكاء الاصطناعي نفسه. فبينما أرادت الولايات المتحدة إبطاء تقدم الصين، تسارعت ولادة عملاق شرائح جديد.
“قد يهمك: انهيار اتفاقيات أبراهام: هل تتحول السعودية إلى محور مناهض لإسرائيل؟”
هواوي: من مصنع هواتف إلى عملاق تكنولوجي
عندما نسمع اسم هواوي، قد يظن البعض أنها مجرد شركة مصنعة للهواتف الذكية. لكن الواقع أكثر تعقيدًا. تأسست هواوي في عام 1987 على يد مهندس سابق في جيش التحرير الصيني برأس مال لم يتجاوز 3500 دولار أميركي، لتصبح اليوم واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم.
مقر الشركة في مدينة شينزين الصينية هو تحفة معمارية متكاملة، تضم 12 قسمًا مختلفًا متصلين بقطار صغير يسير وسط حدائق وبرك مائية، وكأنك تزور قصرًا ملكيًا. هواوي اليوم تقدم بنية تحتية متكاملة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتخدم ثلث سكان العالم، كما تحتل المرتبة الأولى في السوق الصينية والثالثة عالميًا في سوق الهواتف الذكية. منتجاتها تصل إلى أكثر من 170 دولة حول العالم، ولديها 20 مركزًا للبحث في دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا.
هواوي والذكاء الاصطناعي: إلى أين؟

وضعت هواوي اللبنات الأساسية لثورة الذكاء الاصطناعي، حيث أطلقت شرائح حوسبة خاصة بها لأول مرة بمعايير غير مسبوقة عالميًا. خلال مؤتمر Huawei Connect، توقعت الشركة أن يصل عدد الأجهزة الذكية قيد الاستخدام عالميًا بحلول 2025 إلى 40 مليار جهاز، مع اعتماد نحو 90% من المستخدمين على الذكاء الاصطناعي. وأطلقت الشركة أيضًا منصة Atlas للحوسبة الذكية في الشرق الأوسط، التي تعتبر من أهم الحلول السحابية المتوقع لها قيادة مستقبل الذكاء الاصطناعي في المنطقة.
“قد يهمك: المقاتلين الأجانب في سوريا: مصير معلق بين التجنيس والترحيل”
إنفيديا: العملاق الأميركي المهدد
في المقابل، شركة إنفيديا الأميركية، التي تأسست عام 1993، تجاوزت قيمتها السوقية حاجز 2 تريليون دولار، وأصبحت لاعبًا رئيسيًا عالميًا بفضل تنامي الطلب على شرائح الذكاء الاصطناعي. استحوذت إنفيديا على 80% من سوق الشرائح الإلكترونية المتقدمة، خاصة شريحة H100، التي تحتوي على 80 مليار ترانزستور وتُباع الواحدة منها بسعر يصل إلى 37 ألف يورو.
لكن هذه الهيمنة قد لا تدوم طويلًا. إذ أعلنت شركات مثل مايكروسوفت وغوغل وأمازون وMeta (فيسبوك سابقًا) عن خطط لتطوير شرائحها الخاصة، في محاولة لكسر احتكار إنفيديا. حتى إيلون ماسك اقتنى 10 آلاف وحدة من شريحة H100 لتطوير نموذج لغوي منافس لتطبيق ChatGPT.
“قد يهمك: مشروع الغواصات النووية الروسية بوراي وياسن“
هل تستطيع هواوي كسر احتكار إنفيديا؟
رغم الضغوط الأميركية والعقوبات، أثبتت الصين أنها قادرة على الابتكار والتقدم التكنولوجي بعيدًا عن الاعتماد على الشركات الأميركية. ومع دخول هواوي رسميًا إلى معركة شرائح الذكاء الاصطناعي، فإننا أمام مواجهة مفتوحة ستمتد لعقود قادمة.
لكن يبقى السؤال الكبير: هل تستطيع هواوي فعلاً تحويل شريحتها الجديدة إلى سلاح اقتصادي يعصف بإنفيديا؟ وهل سنشهد قريبًا استغناءً كاملًا عن الشرائح الأميركية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟
معركة الاقتصاد العالمي: من يملك الذكاء الاصطناعي؟
الصراع لم يعد يدور حول النفط أو الجزر الاستراتيجية، بل حول شرائح إلكترونية صغيرة تحدد من يحكم الذكاء الاصطناعي في العالم. ومن يفوز في هذه المعركة، سيكون من يرسم ملامح الاقتصاد العالمي لعقود قادمة. هواوي تقول للعالم بوضوح: المعركة بدأت ونحن مستعدون.