
محتوى المقال
شهدت السنوات القليلة الماضية تحولات دراماتيكية في السياسة الإقليمية للشرق الأوسط، أبرزها ما يتعلق بـ اتفاقيات أبراهام، التي كانت تمثل محاولة طموحة لدمج إسرائيل في المحيط العربي من خلال تطبيع العلاقات مع عدة دول خليجية، أبرزها الإمارات والبحرين، وربما السعودية لاحقًا. ولكن ما بدا وكأنه مشروع سلام إقليمي واعد، تحول بسرعة إلى مسار معاكس، حيث باتت السعودية تتقارب مع إيران وتركيا، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل هذه الاتفاقيات وإمكانية نشوء محور إقليمي جديد مناهض لإسرائيل.
خلفية اتفاقيات أبراهام
بدأت اتفاقيات أبراهام في النصف الثاني من ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كجزء من رؤية أوسع لتحقيق السلام في الشرق الأوسط من خلال تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجيرانها العرب. ورغم أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ظل عقبة أمام هذه الجهود، فإن فتور الدعم العربي الرسمي لحل الدولتين، واقتراب بعض الفصائل الفلسطينية من إيران، شجّع دولًا مثل الإمارات والبحرين على توقيع اتفاقات تطبيع مع إسرائيل في 2020.
في حينه، كانت إدارة ترامب تأمل في أن تلتحق السعودية بركب التطبيع، خصوصًا في ظل تحالف غير معلن ضد إيران، التي كانت تُعد الخصم المشترك لإسرائيل والدول الخليجية، بعد الهجمات الإيرانية بالطائرات المسيرة على منشآت النفط السعودية في 2019.
السعودية بين التطبيع والتحول الجيوسياسي
استمرت المباحثات غير المعلنة بين السعودية وإسرائيل خلال إدارة بايدن، حتى بعد هجمات 7 أكتوبر، إذ لم تصدر عن الرياض انتقادات حادة في البداية. بل ظهرت تقارير تفيد بأن المملكة قد تقبل بالتطبيع مع إسرائيل مقابل ضمانات أمنية أمريكية شبيهة بتحالف “ناتو”.
لكن هذا المسار سرعان ما انقلب رأسًا على عقب بعد انهيار الهدنة المؤقتة في غزة في فبراير، واستئناف إسرائيل لهجومها العسكري. عند هذه النقطة، أظهر الإعلام السعودي الرسمي تحولًا حادًا، حيث وصف أحد القنوات الرسمية نتنياهو بأنه “وجه الاحتلال القبيح”، وتزايدت الدعوات الرسمية من الرياض لحل الدولتين.
“قد يهمك: المقاتلين الأجانب في سوريا: مصير معلق بين التجنيس والترحيل”
السعودية وإيران: من التناحر إلى التحالف
في تحول كان من الصعب تخيله قبل سنوات، بدأت السعودية تتقارب بشكل سريع مع إيران. ففي فبراير، وبعد استئناف إسرائيل لهجماتها على غزة، أجرى وزيرا خارجية البلدين اتصالًا لمناقشة الوضع الإقليمي، تبعه لقاء تاريخي في طهران بين وزير الدفاع السعودي والقادة الإيرانيين، وهي أول زيارة رفيعة المستوى من نوعها منذ عقود.
خلال الزيارة، سلّم الأمير السعودي محمد بن سلمان رسالة من العاهل السعودي إلى المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، أعرب فيها عن دعم الرياض لاتفاق أمني مشترك، وأبدى تأييدًا غير مباشر للاتفاق النووي الجاري التفاوض عليه بين إيران والولايات المتحدة. وهو موقف يتناقض كليًا مع موقف السعودية في عام 2015 حين عارضت الاتفاق بشدة إلى جانب إسرائيل.
“قد يهمك: مشروع الغواصات النووية الروسية بوراي وياسن”
التقارب مع تركيا: جبهة إقليمية جديدة؟
إلى جانب إيران، اتجهت السعودية إلى إصلاح علاقاتها مع تركيا، التي كانت قد توترت منذ الربيع العربي. لكن بعد 7 أكتوبر، برز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كأحد أكثر الأصوات انتقادًا لإسرائيل، وهو ما فتح الباب أمام تعاون أمني متسارع بين أنقرة والرياض، خاصة في الملف السوري.
البلدان الآن يتعاونان في الملف السوري خشية أن تتسبب إسرائيل في زعزعة استقرار الدولة السورية. وهو تحول لافت، خصوصًا أن كلا البلدين كانا على خلاف بشأن مصير نظام بشار الأسد.
العوامل التي ساهمت في التغيير

صحيح أن الكثير من هذه التحركات تسبق الأحداث الأخيرة، فالمحادثات السرية بين السعودية وإيران بدأت منذ 2021، وتوّجت باتفاق تطبيع برعاية الصين في 2023. كما أن تركيا تسعى لتحسين علاقاتها مع الخليج لأسباب اقتصادية بحتة.
لكن لا يمكن تجاهل أن موقف إسرائيل الأخير لعب دورًا مباشرًا في تسريع هذه التحولات. إذ يُنظر إلى التصعيد الإسرائيلي المستمر في غزة، ودعوات نتنياهو لنقل الفلسطينيين إلى أراضي خارج القطاع (حتى داخل السعودية)، على أنها تهديد مباشر للأمن الإقليمي.
“اطلع على: الحوثيون والإخوان المسلمون في اليمن”
الشرق الأوسط: مقارنة بين 2020 و 2025
عند مقارنة الوضع الإقليمي بين عامي 2020 و 2025، تتضح ملامح التحول. فإيران التي كانت تقود محورًا عدائيًا ضد الخليج بقيادة متشددين، تحولت إلى دولة بقيادة إصلاحية – مزوب بزيزيكيان – تسعى لاتفاق نووي وتفتح خطوط اتصال دبلوماسية مع السعودية. في المقابل، إسرائيل التي كانت تعاني من أزمة سياسية داخلية وقيادة متذبذبة، أعاد نتنياهو فيها ترتيب الأوراق السياسية من خلال تحالفات يمينية متشددة، وتسعى إلى جر المنطقة نحو صراع أوسع.
هل نحن أمام محور جديد؟
ما يحدث الآن هو ما يمكن تسميته بـ نهاية محور مناهضة إيران، وبداية تشكّل محور جديد مناهض لإسرائيل. هذا المحور لا يعلن نفسه رسميًا، لكنه يتكوّن من السعودية، إيران، وتركيا (Turkey)، وهو ما يشير إلى نهاية مرحلة وبداية أخرى أكثر تعقيدًا في تاريخ الشرق الأوسط.
“قد يهمك: أوكرانيا تعيش الكابوس بين ترامب وبوتين”
انهيار اتفاقيات أبراهام: خاتمة
انهيار اتفاقيات أبراهام لا يعكس فقط فشل مشروع سياسي، بل يكشف عن تحول عميق في الحسابات الاستراتيجية لدول المنطقة. فالسعودية، التي كانت تُعد أقرب حليف محتمل لإسرائيل، باتت اليوم أقرب إلى خصومها الإقليميين السابقين. وإذا استمرت إسرائيل في تبني سياسات أكثر عدوانية، فقد نجد أنفسنا أمام خريطة تحالفات جديدة تعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط بالكامل.