
محتوى المقال
تشكل العلاقة بين الحوثيين والإخوان المسلمين في اليمن واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا في الساحة السياسية اليمنية. فهي علاقة متقلبة، تحكمها أحيانًا العداوة الصريحة وأحيانًا أخرى التفاهمات المرحلية، في مزيج يجمع بين التناقض والتحالف. فهل هم أعداء؟ نعم. هل يتحاربون؟ بالتأكيد. ولكن، هل تحالفوا في بعض المحطات؟ أيضًا نعم.
تحالفات ظرفية وعداوات تاريخية
يبدو أن المسألة ليست مجرد خلاف عقائدي أو مذهبي، بل هي شبكة من المصالح المتغيرة التي تتحكم فيها الأوضاع الميدانية والسياسية. فقد شهدنا مثلًا كيف أن حزب الإصلاح، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في اليمن، دعم في مرحلة ما جماعة الحوثي ضمنيًا، حين كانت الجماعة تستهدف السفن التجارية في البحر الأحمر وباب المندب. وكان ذلك في وقت كانت فيه الجماعتان تتقاسمان العداء مع أطراف إقليمية ودولية كأمريكا وبريطانيا، فضلاً عن عدو مشترك في الداخل اليمني.
غير أن هذا الدعم لم يدم طويلاً، فقد عادت قيادات حزب الإصلاح لتتراجع عنه بعدما اتسعت دائرة الصراع وتحولت الهجمات الحوثية إلى مواجهة مباشرة مع الغرب. هذا التراجع لم يكن مفاجئًا، بل نابعًا من حسابات براغماتية؛ فالإخوان المسلمون لا يرغبون في الدخول في صراع مفتوح مع قوى كبرى.
البعد العقائدي بين الحوثيين والإخوان المسلمين
لا يمكن تجاهل البعد المذهبي في علاقة الحوثيين والإخوان المسلمين في اليمن. فالحوثيون حركة شيعية زيدية تطورت بعد 2014 لتتبنى فكر “ولاية الفقيه” المستورد من إيران، بينما ينتمي الإخوان إلى الفكر السني ويتلقون الدعم من دول مثل تركيا وقطر. هذا التباين العقائدي كان ولا يزال سببًا في العداء الأيديولوجي بين الطرفين. غير أن هذا العداء لم يمنع تحالفهما المؤقت خلال أحداث ما يُعرف بالربيع العربي في عام 2011، حين توحدت جهودهما لإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، رغم اختلاف الأهداف والغايات.
“قد يهمك: أوكرانيا تعيش الكابوس بين ترامب وبوتين.. اتفاقية المعادن النادرة وثيقة إذعان أم شراكة؟”
بعد 2014: قطيعة جديدة وتحولات ميدانية

مع اجتياح الحوثيين لصنعاء في 2014، دخلت العلاقة بينهم وبين الإخوان المسلمين مرحلة جديدة من القطيعة والصراع المفتوح. فقد أطاحت جماعة الحوثي بالحكومة التي كان لحزب الإصلاح نصيب فيها، ولم تتوانَ عن استهداف مقراته واختطاف قادته.
مع ذلك، ومع مرور الوقت، بدأت تطفو على السطح تفاهمات غير معلنة في بعض المناطق. فوفقًا لتقارير، عقدت بعض القيادات الإصلاحية صفقات مع الحوثيين في محافظات مثل صنعاء، إب، والبيضاء، بغرض حماية مصالحهم الاقتصادية أو نفوذهم القبلي، في مقابل تجميد المواجهات.
تناقض المواقف في الجغرافيا والسياسة
يظهر التناقض جليًا في التوزيع الجغرافي لقوة الطرفين. ففي حين يسيطر الحوثيون على صنعاء وشمال غرب اليمن، يتركز الإخوان في مأرب، شبوة، وتعز. وتشهد هذه المناطق معارك ضارية بين الجانبين، خاصة في مأرب، الغنية بالنفط.
وفي الوقت الذي يدعي فيه الإصلاح محاربة الحوثيين ضمن قوات “الشرعية” المدعومة من التحالف العربي، تتهمه جماعة الحوثي بالتآمر والعمل لصالح “العدوان”. هذا الاتهام المتبادل يترافق مع حملات إعلامية شرسة، حيث يصف كل طرف الآخر بأنه عميل أمريكي أو صهيوني، رغم أنهما يتفقان أحيانًا على مهاجمة خصوم مشتركين، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي أو قوات العمالقة.
“اطلع على: واقعة الكلب الهاسكي: بين الغضب الشعبي والتحقيقات القانونية”
أمثلة واقعية على التعاون غير المباشر
من أبرز الأمثلة على التفاهمات الميدانية بين الحوثيين والإخوان المسلمين في اليمن (Yemen)، ما حدث في محافظة شبوة، حين تمكّن الحوثيون من السيطرة على بعض المديريات بتسهيلات غير مباشرة، خلال فترة سيطرة المحافظ الإخواني محمد صالح بن عديو، قبل أن تتم استعادتها على يد قوات العمالقة.
كما تشير تقارير إلى أن القيادي الإصلاحي ورجل الأعمال حميد الأحمر عقد تفاهمات غير مباشرة لحماية مصالحه وأملاكه في صنعاء بعد سقوطها بيد الحوثيين. هذا النوع من التفاهمات لا يُعد رسميًا أو معلنًا، لكنه يكشف مدى المرونة البراغماتية التي تحكم الطرفين.
“قد يهمك: جريمة الممثلة التركية سيفيل أكداغ في تركيا”
البُعد الإقليمي والدولي
تمتد التفاعلات بين الحوثيين والإخوان المسلمين في اليمن إلى ما هو أبعد من الداخل اليمني. فقد ظهرت دعوات من قيادات إصلاحية بارزة مثل عبد المجيد الزنداني للتصالح مع الحوثيين، تحت لافتة “نصرة غزة” ودعم المقاومة الفلسطينية، بما يتوافق مع توجهات تركيا وقطر، الداعمتين الرئيسيتين للإخوان.
غير أن هذه الدعوات سرعان ما خفتت بعد أن وسّعت الولايات المتحدة عملياتها ضد الحوثيين، الأمر الذي دفع بعض قادة الإصلاح إلى الدعوة علنًا إلى وقف أي دعم للجماعة، خوفًا من العقوبات أو التصنيف كداعم للإرهاب.
“قد يهمك: القبض على المنتجة سارة خليفة”
الحوثيون والإخوان المسلمون في اليمن: علاقة تقلبها المصالح وتؤطرها الأيديولوجيا
تُظهر العلاقة بين الحوثيين والإخوان المسلمين في اليمن كيف يمكن للأيديولوجيا أن تتقاطع مع المصالح السياسية لتنتج مشهدًا سياسيًا شديد التعقيد. فهي علاقة تجمع بين عدوين عقائديين يتشاركان أحيانًا المصلحة ويشتبكان في أحيان أخرى في معارك لا هوادة فيها.
ما بين العداء والتقارب، وبين الحرب والتفاهمات الميدانية، تبقى هذه العلاقة واحدة من أكثر ملفات السياسة اليمنية غموضًا وإثارة للجدل، يصعب تصنيفها بشكل ثابت، لكن يمكن اختزالها بعبارة واحدة: “عداوة مشوبة بمصالح متبادلة”.