
محتوى المقال
عندما ننظر إلى صورة امرأة مثل كاثرين بريز شاكدم، قد لا تخطر في بالنا كل تلك الحكايات الخفية من وراء الكواليس. لكن الحقيقة أن هذه المرأة، وفق تقارير عديدة، أسرت قلوب وعقول قرابة مئة مسؤول رفيع في النظام الإيراني، ليس فقط بعلاقات عابرة، بل بزواج متعة مكّنها من النفوذ والتأثير.
هذه القصة ليست فريدة من نوعها، ولا ترتبط فقط بإيران. تاريخيًا، لعبت النساء أدوارًا حساسة في عالم الجاسوسية، حيث استُخدم جسد المرأة كأداة للتأثير، الاختراق، والضغط. قد يبدو الأمر مستفزًا أخلاقيًا، لكنه واقع معترف به في دوائر الاستخبارات حول العالم. في هذه المقالة، نستعرض أبرز النماذج والتجارب التي جسدت سلاح الجسد في الحروب الاستخباراتية. تعرف معنا في هذه المقالة كيف تصبح النساء أداة في صراع الدول؟
كاثرين بريز شاكدم: الفتاة الفرنسية التي اخترقت طهران
كاثرين بريز شاكدم، اليهودية الفرنسية، تمكنت من دخول إيران عام 2015 تحت غطاء العمل الصحفي. من هناك، لم تكتفِ بكتابة مقالات في وسائل إعلام إيرانية رسمية، بما في ذلك موقع المرشد الأعلى باللغة الإنجليزية، بل أقامت أيضًا علاقات مباشرة مع مسؤولين كبار، بعضهم من أقرب الدوائر المحيطة بعلي خامنئي.
وفقًا للمعلومات المسربة، استغلت كاثرين ما يسمى في الفقه الشيعي بـ”زواج المتعة” لتبني شبكة علاقات واسعة. هذه الاستراتيجية فتحت أمامها أبوابًا مغلقة، وجعلتها مصدر ثقة داخل طهران، قبل أن ينكشف أمرها عام 2022، مسببًا فضيحة مدوية على مستوى العلاقات الخارجية الإيرانية.
فخ العسل: استراتيجية إسرائيلية شهيرة
من أشهر الدول التي استخدمت جسد المرأة في العمليات الاستخباراتية نجد إسرائيل، وتحديدًا جهاز الموساد. يعتمد الموساد على ما يُعرف باسم “فخ العسل”، حيث يتم تجنيد نساء جميلات لاستدراج المطلوبين أمنياً، اختراق الأنظمة المعادية، وأحيانًا تنفيذ عمليات اغتيال.
من أبرز الأسماء في هذا السياق:
- شيريل بنتوف (سيندي)، التي استدرجت موردخاي فعنونو، الفني النووي الذي كشف أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي، في عملية معقدة عام 1986.
- سلفيا رافائيل، التي شاركت في محاولة اغتيال القيادي الفلسطيني علي حسن سلامة بالنرويج، لكنها انتهت بقتل نادل مغربي بالخطأ.
- أريكا تشامبرز، الجاسوسة التي نجحت لاحقًا في اغتيال سلامة ببيروت عام 1979.
حتى وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، هناك شائعات تقول إنها كانت ضمن عمليات فخ العسل، رغم نفي الموساد ذلك رسميًا.
“قد يهمك: المقاتلين الأجانب في سوريا: مصير معلق بين التجنيس والترحيل”
إيران: التناقض بين القيود الداخلية والاستخدام الاستخباراتي
إيران، التي تشدد بشدة على تطبيق الحجاب والالتزام بالشريعة، لا تتردد عند الضرورة في استخدام نسائها كأدوات استخباراتية. من أشهر القضايا:
- حبيب شعب، زعيم حركة النضال العربي لتحرير الأحواز، الذي استدرجته عميلة إيرانية إلى تركيا عام 2020 ليُخطف إلى إيران، حيث أُعدم في 2022.
- رامبو دنامدار، عميلة إيرانية استخدمت موقع فيسبوك لتجنيد إسرائيليين لصالح طهران، رغم الحصار المشدد المفروض على الإيرانيات داخل بلادهن.
روسيا: الجميلات في خدمة المخابرات

روسيا أيضًا لها باع طويل في هذا المجال. من الأسماء المعروفة عالميًا:
- آنا تشابمان، التي أُلقي القبض عليها في الولايات المتحدة عام 2010 بتهمة التجسس لصالح روسيا، قبل أن تُعاد إلى موسكو ضمن صفقة تبادل.
- ماريا بوتينا، التي اعتُقلت في أمريكا عام 2018 بسبب محاولات اختراق منظمات سياسية أمريكية.
- زانيا جبروفا وكاثرين إيبانوفا، اللتان واجهتا محاكمات في بريطانيا عام 2024 بتهمة استدراج معارضين روس.
هذه الأمثلة ليست سوى قمة جبل الجليد، إذ يُعرف عن الاستخبارات الروسية (من أيام الاتحاد السوفيتي وحتى اليوم) اعتمادها الكبير على النساء في المهام الاستخباراتية.
أمريكا والصين: توظيف النساء في حرب المعلومات
الولايات المتحدة، التي ترفع شعارات حقوق المرأة والمساواة، هي الأخرى ليست بريئة من استخدام النساء كأدوات استخباراتية. منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، شهدنا قصص عميلات مثل: بيتي باك وتيلير فيلبس، اللتين لعبتا أدوارًا مهمة في اختراقات الحرب الباردة. الصين بدورها اشتهرت بقضية كاثرين ليونغ، التي أقامت علاقات مع اثنين من عملاء الـFBI في التسعينيات، ما كشف لاحقًا عند مطلع الألفية الجديدة، في واحدة من أكبر فضائح التجسس المعروفة.
“قد يهمك: انهيار اتفاقيات أبراهام: هل تتحول السعودية إلى محور مناهض لإسرائيل؟”
كوريا الشمالية: كتائب السعادة
ربما واحدة من أغرب الحالات هي كوريا الشمالية، حيث يوجد ضمن الجيش الكوري الشمالي وحدة تعرف باسم “كتائب السعادة”. هذه الكتائب تضم نساء شابات، بعضهن قاصرات، يُكلّفن بتسلية كبار المسؤولين في البلاد، سواء بالترفيه أو تقديم خدمات جنسية. هذا النموذج يكشف جانبًا شديد القتامة من استغلال الدولة لأجساد النساء، ليس فقط كسلاح خارجي، بل حتى داخليًا لخدمة النظام الحاكم.
الدعاية والتجميل السياسي: الوجه الآخر لاستغلال المرأة
لا يتوقف الأمر عند الجاسوسية والاختراق. في بعض الحالات، يتم استغلال صور المجندات الجميلات في الحملات الدعائية لتلميع صورة الجيوش، كما تفعل إسرائيل، التي تعرض صور المجندات الحسناوات عالميًا لتغطية الانتهاكات المرتكبة في الميدان. وراء هذه الصور المصدّرة إلى العالم، تكمن منظومات معقدة من الاستغلال، حيث يُستخدم جسد المرأة كواجهة ناعمة لحجب صورة الحرب القاسية.
“قد يهمك: حرب الذكاء الاصطناعي بين هواوي وإنفيديا“
سلاح الجسد في الحروب الاستخباراتية: سلاح قديم لا ينتهي
رغم كل الشعارات المرفوعة عالميًا حول تمكين المرأة ومساواتها، فإن جسد المرأة لا يزال يُستخدم كسلاح في حروب الجسد والعاطفة، من إسرائيل وإيران وروسيا، إلى أمريكا والصين وكوريا الشمالية (North Korea). هذا السلاح لا يُصنع في مصانع السلاح التقليدية، ولا يحتاج إلى مختبرات أو تقنيات متقدمة؛ بل تصنعه الطبيعة، وتعيد الدول تشكيله وفق أهدافها.
في نهاية المطاف، من الصعب الحديث عن صراعات الدول الاستخباراتية دون الاعتراف بالدور الكبير الذي لعبته النساء، سواء عن قناعة أو تحت الاستغلال. إنه واقع قاسٍ، لكنه حقيقي، ولا يبدو أن العالم سيتخلى عنه قريبًا.