
محتوى المقال
في صباح السادس والعشرين من أبريل 2025، اهتزت مدينة بندر عباس الإيرانية على وقع انفجار ضخم هز أركان مينائها الحيوي، ميناء الشهيد رجائي. لم يكن الحريق مجرد حادث عرضي، بل فتح بابًا جديدًا على واحدة من أعقد الشبكات الجيوسياسية في الشرق الأوسط: تهريب الأسلحة إلى اليمن. فما الذي حدث في ذلك اليوم؟ ولماذا يتكرر اسم ميناء بندر عباس كلما ذُكرت الحروب في المنطقة؟
ما وراء انفجار ميناء بندر عباس
في ساعات الصباح الأولى، اندلع حريق هائل في أحد المستودعات الرئيسية بميناء الشهيد رجائي، وهو الميناء الأكبر والأكثر أهمية في إيران. الانفجار لم يكن عادياً، فقد سُمع دويه على بعد عشرات الكيلومترات، وتصاعد الدخان ليغطي سماء المدينة والساحل، في مشهد دراماتيكي أربك الجميع.
ورغم أن السلطات الإيرانية سارعت للإعلان أن سبب الانفجار هو تفاعل كيميائي عرضي، فإن شهود عيان ومصادر مستقلة أكدوا أن الانفجار كان ضخماً للغاية، وشبّه البعض قوته بتفجير عسكري. وقد أسفر الحادث عن مقتل أكثر من 70 شخصاً، وإصابة نحو 1100، إلى جانب خسائر مالية قُدرت بـ300 مليون دولار.
لكن الكارثة لم تتوقف عند الأرقام. فقد كشفت تقارير استخباراتية لاحقة أن المستودع المتفجر كان يحتوي على مواد تدخل في تصنيع الصواريخ والأسلحة التي تُرسل إلى حلفاء إيران في المنطقة، وعلى رأسهم جماعة الحوثي في اليمن.
ميناء بندر عباس: من بوابة تجارية إلى ممر تهريب
يمثل ميناء بندر عباس، وتحديداً رصيف الشهيد رجائي، أكثر من مجرد منفذ تجاري. فهو المركز اللوجستي الأهم للحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، ويُستخدم بشكل مستمر في عمليات تهريب الأسلحة والمعدات العسكرية إلى الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة، خاصة الحوثيين في اليمن. من هذا الميناء، تنطلق شحنات الأسلحة عبر سفن تجارية وقوارب صيد، غالباً دون علم دولي، ودون أن ترفع هذه السفن أعلاماً تدل على هويتها. وتقوم بتعطيل أنظمة التتبع والرادارات لتفادي الاكتشاف.
“تعرف على: سلاح الجسد في الحروب الاستخباراتية“
خريطة الطريق: كيف تصل الأسلحة إلى اليمن؟

رحلة السلاح من إيران إلى اليمن تمر عبر مسارات بحرية معقدة:
- من بندر عباس إلى الحديدة: وهو الخط الرئيسي لتهريب الأسلحة إلى غرب اليمن، حيث تنشط جماعة الحوثي بقوة.
- من بندر عباس إلى المهرة: ثم تنقل الأسلحة برياً عبر الأراضي اليمنية.
- من بندر عباس إلى الصومال: حيث تتولى جماعة الشباب نقل الشحنات إلى اليمن.
وتُفرغ الأسلحة عادة في عرض البحر، حيث تنتقل إلى قوارب صغيرة لتجنب الرصد. كما تُستخدم جزر نائية ومناطق وعرة لتخزين هذه الشحنات مؤقتاً قبل توزيعها على الجبهات في صعدة والحديدة وصنعاء.
“اطلع على: حرب الذكاء الاصطناعي بين هواوي وإنفيديا“
تقارير دولية تؤكد: بندر عباس مركز لوجستي لتهريب الأسلحة
وفقاً لتقارير أممية نُشرت في يناير 2024، فقد تأكد أن ميناء بندر عباس هو نقطة الانطلاق الأساسية لشحنات الأسلحة المهربة إلى اليمن، ويشرف عليها الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر. وأشارت تقارير صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في عام 2023، إلى أن تهريب الأسلحة بات جزءاً من استراتيجية إيران الإقليمية، ويُدار عبر آليات متطورة تشمل التنكر، والتلاعب بالشحنات، والنقل عبر مراحل متعددة.
تهريب الأسلحة: من البحر إلى الجبهات اليمنية

بمجرد وصول الأسلحة إلى سواحل اليمن، تبدأ عملية توزيعها بشكل سريع. تُنقل الشحنات عبر طرق برية محمية من قبل جماعات موالية للحوثيين، وتُخزن في أنفاق أو مستودعات تحت الأرض في صعدة ومناطق أخرى. تُستخدم هذه الأسلحة في إعادة تصنيع الصواريخ قصيرة المدى، وتعديل الطائرات المسيرة، وإعادة توزيعها على مختلف الجبهات، مما يسهم في استمرار الحرب ويؤدي إلى مزيد من الضحايا، خصوصاً بين المدنيين.
“تعرف على: انهيار اتفاقيات أبراهام“
انفجار يكشف المستور: هل كانت ضربة خارجية؟
طرحت عدة تقارير استخباراتية غربية احتمال أن الانفجار لم يكن عرضياً، بل نتيجة ضربة إلكترونية أو عمل تخريبي داخلي، استهدف مكونات حساسة تُستخدم في تصنيع صواريخ ووقود صاروخي معدّ للتصدير إلى الحوثيين وحزب الله. وللمرة الأولى، وجد النظام الإيراني نفسه في موقع الدفاع، مع تزايد الضغوط الدولية وفتح مجلس الأمن مجدداً ملف تهريب الأسلحة إلى اليمن، خاصة بعد إعلان القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) عن تشديد الرقابة البحرية في خليج عدن والبحر الأحمر (Red Sea).
“قد يهمك: المقاتلين الأجانب في سوريا“
مأساة إنسانية: السلاح الذي يشعل الحرب
أكثر من يدفع ثمن هذا التهريب المستمر هم المدنيون اليمنيون. الأطفال والنساء والرجال الأبرياء يتحولون إلى ضحايا في كل مرة تصل فيها شحنة سلاح جديدة. فكل بندقية تهرب، وكل طائرة مسيرة تصنّع، تعني استمرار النزاع، وتوسيع رقعة المعاناة. وفي وقت تُسفك فيه الدماء، تستمر الشحنات في الانطلاق من بندر عباس، حاملة الموت بدل الحياة.
هل يكون الانفجار نقطة تحول؟
قد يكون انفجار بندر عباس أكثر من مجرد كارثة محلية. فقد سلّط الضوء على منظومة التهريب الإيرانية بأكملها، وكشف للعالم حجم التدخل في الحرب اليمنية. لكن يبقى السؤال: هل سيكون هذا الحادث بداية النهاية لطرق الظل؟ أم مجرد حلقة جديدة في مسلسل حرب مستمرة؟ المؤكد أن الضوء بدأ يُسلط على ما كان يُدار في الخفاء، وأن الأصوات المطالبة بوقف دعم الميليشيات المسلحة بدأت تتعالى، لكن الطريق إلى السلام لا يزال محفوفاً بالتحديات.